أخبار المركز
  • د. إبراهيم غالي يكتب: (الكابوس النووي القادم في آسيا والعالم)
  • د. محمود سلامة يكتب: (استجابة ثلاثية: بدائل تقليل الخسائر التعليمية في صراعات الشرق الأوسط)
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)

حفريات:

أخطر وأشرس التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم

25 يونيو، 2024


ربط تقرير أممي، صادر عن الأمم المتحدة، في شهر فبراير (شباط) الماضي، بين انعدام الأمن في مناطق متفرقة من أفريقيا، بتوسع انتشار التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً في منطقتي الساحل وغرب أفريقيا، حيث يرتبط انعدام الأمن بشكل وثيق مع ازدياد نفوذ "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" الموالية لتنظيم "القاعدة"، و"الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" المُوالية لـ"داعش".

وتعد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" واحدة من أخطر وأشرس التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، ليس بسبب تنوُّع هجماتها الدموية ضد العسكريين والمدنيين على حد سواء، وإنما أيضاً بسبب انتشارها الجغرافي الواسع في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو، خصوصاً في المنطقة الحدودية بين تلك الدول، إضافة إلى محاولتها تكريس وجودها في تلك المناطق عبر إقامة محاكم خاصة بها بدعوى تطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك لفرض هيمنتها على السكان المحليين، فضلاً عن فرضها الضرائب على السكان المحليين، والسيطرة على طرق التجارة والتهريب وفرض الإتاوات على التجار والمهربين، وهو ما يجعلها واحدة من أغنى التنظيمات الإرهابية في المنطقة والعالم، وذلك ما يمكنها من الانفاق على عناصرها وتمويل أنشطتها بشكل جيد للغاية.

تعد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" من أشرس التنظيمات الإرهابية، ليس بسبب تنوُّع هجماتها الدموية، وإنما أيضاً بسبب انتشارها الجغرافي الواسع

وتضمّن التقرير الأممي، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" تحليلات من خبراء في الأمم المتحدة، استناداً إلى بيانات صادرة عن الدول الأفريقية الأعضاء بالأمم المتحدة، والمتضررة من الإرهاب، كما تضمّن معلومات وافية عن التنظيمين الإرهابيين، والجماعات التي ترتبط بهما وهويات أمرائها ومصادر تمويلها والشبكات التي تربطها فيما بينها.

ويقول قسم دراسات الإسلام السياسي، في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، إنّ هذا الأمر يطرح تساؤلات مهمة حول أسباب استمرار التهديدات الأمنية التي تشكّلها الجماعة في منطقة الساحل الأفريقي، بل وتصاعد مخاطرها خلال الفترة الأخيرة، على الرغم من الجهود الإقليمية والدولية المبذولة للقضاء عليها.

وتعد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين التي تأسست مطلع آذار (مارس) 2017 تنظيماً إرهابيّاً غير تقليدي، ليس فقط بسبب قوتها العسكرية وكثافة أعداد مقاتليها مقارنة بالمجموعات الإرهابية الأخرى في منطقة الساحل والصحراء، وإنما أيضاً لكونها خليطاً من عدة مجموعات إرهابية متنوعة عرقيّاً يجمعها الولاء لتنظيم القاعدة، وهي جماعة “أنصار الدين” و”كتيبة المرابطين” و”إمارة منطقة الصحراء الكبرى” و”كتائب تحرير ماسينا”، وهو ما ساعدها على الانتشار في مناطق متعددة، وإن كان ثقلها التنظيمي يتركز في شمال مالي.

وبالرغم من التنوع العقائدي والقبلي والعرقي الذي تتسم به الجماعة، فقد حرصت على أن تكون المظلة الفكرية القاعدية هي اللواء الذي تجتمع حوله، وبالرغم من أنّ الفكر القاعدي يرتكز على مبدأ أولوية قتال العدو البعيد الذي يقصد به اليهود والصليبيين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية، لكنّ ذلك لم يمنع الجماعة في الوقت الراهن من اعتماد مبدأ أولوية قتال العدو القريب المتمثل في جيوش المنطقة، وذلك بناء على المصلحة التنظيمية وطبيعة الأوضاع على الأرض، وترتيب أولويات الاستهداف لدى الجماعة، وربما هذا ما يفسر الهجمات شبه المستمرة للجماعة على جيوش كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو سواء بهجمات تقليدية أو هجمات انتحارية.

وتُعبِّر الجماعة عن أكبر تحالف تنظيمي قاعدي على مستوى العالم، وهو ما جعلها تتحول إلى تنظيم عابر للحدود بسبب نشاطها في كل من مالي والنيجر وبوركينافاسو وتشاد وموريتانيا، وهي الدول التي باتت الجماعة تسيطر على بعض المناطق فيها – سيطرة تنظيمية وليست سيطرة ترابية ومكانية –  وتؤسس فيها ما يشبه الإمارات الجهادية الصغيرة، لكن دون الإعلان عن ذلك بشكل صريح، حتى تتجنب الأخطاء التي وقع فيها تنظيم داعش في كل من العراق وسوريا، وقد بدأت هذه التطورات تثير قلق بعض من القوى الدولية المعنية بمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة، على غرار فرنسا التي صرحت وزيرة دفاعها فلورانس بارلي، بداية مارس 2019، بأنه يجب أن “تستعيد الحكومة المالية السيطرة على بعض أراضيها التي تستخدمها الجماعة كنقطة انطلاق للتمدد داخل دول الجوار"، بحسب موقع مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة.

كما استغلت الجماعة مؤخراً الفوضى التي ضربت المنطقة وتداعيات الانقلاب العسكري في النيجر لتكريس هيمنتها على مناطق نفوذها، أملاً في تكرار سيناريو السيطرة الكاملة على المدن وإعلان قيام نموذج حكم ديني، في عودة إلى ما قبل تدخُّل فرنسا عسكريّاً منذ نحو عقد من الزمان.

تهديد متصاعد

ويرى مركز تريندز أنّ تهديد "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" متصاعد؛ فبمجرد إعلان الجماعة عن نفسها في مارس 2017، سارعت بتنفيذ عدة هجمات إرهابية لإثبات حضورها على الساحة، حيث بدأت بالهجوم على مجموعة من رجال الجيش المالي في مارس 2017، وهو ما أوقع 11 قتيلاً و5 جرحى، وفي أبريل 2017 قتلت الجماعة جنديّاً فرنسيّاً، كما خاض عناصرها في الشهر ذاته معركة مع الجيش المالي خلّفت ما يقرب من 16 قتيلاً و4 أسرى بين صفوف التنظيم. وفي يوليو من العام ذاتِه تبنَّت الجماعة هجوماً على مدينة باماكو أسفر عن مقتل 8 بينهم 4 مدنيين.

رغم التنوع العقائدي والقبلي والعرقي الذي تتسم به الجماعة، فقد حرصت على أن تكون المظلة الفكرية القاعدية هي اللواء الذي تجتمع حوله

وفي أغسطس 2020 هاجم عناصر الجماعة قوة للدرك في بلدة سانداري، الواقعة على بعد 80 كيلومتراً فقط من موريتانيا و200 كيلومتر من السنغال، ومن اللافت للنظر في هذه العملية أنّ الجماعة لم تعتد على تنفيذ هجمات بهذه الطريقة في هذه المنطقة بالذات، وهو ما جعل الأمر يبدو وكأنه أشبه باستعراض للقوة من قبل الجماعة لإثبات الوجود والأحقية في السيطرة على الحدود مع موريتانيا والسنغال كمناطق نفوذ خالصة لها من بين المجموعات المسلحة الأخرى وخصوصاً تنظيم داعش.

وقد وصل الأمر بالجماعة إلى حد محاصرة بعض المدن، على غرار محاصرتها مدينة تمبكتو التاريخية في مالي خلال أغسطس 2023، وإغلاق كل طرق الدخول والخروج من وإلى هذه المدينة الواقعة على أطراف الصحراء، الأمر الذي أدّى إلى ارتفاع أسعار جميع المواد الغذائية والمحروقات في المدينة، وكان قائد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين قد نشر مقطع فيديو قبيل محاصرة المدينة يعلن فيه الحرب على تومبكتو.

استهداف القوات الأجنبية

ووفقاً لموقع فرانس24 في أبريل الماضي، لا يقتصر نشاط الجماعة على استهداف القوات الحكومية فحسب، بل تعداها إلى القوات الأجنبية، على غرار إعلان الجماعة في أبريل 2024 القبض على عنصر ضمن مجموعة فاغنر الروسية التي تقاتل في منطقة جبالي في ولاية سيقو” وسط مالي.

وبات تصاعد التهديدات الأمنية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين يثير قلقاً متزايداً على المستوى الإقليمي والدولي، وذلك نظراً لتنوع هجمات الجماعة واتساع نطاقها وتهديدها مصالح بعض القوى الكبرى ومواطنيها، في ظل استمرارها في اختطاف الأجانب، وربما هذا ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية في إبريل 2024 إلى الإعلان عبر وزير خارجيتها أنتوني بلينكن أنّ وزارته قامت بإدراج سبعة من قادة ما يعرف بـ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” وتنظيم “المرابطون”، لتورطهم في احتجاز رهائن أميركيين في غرب أفريقيا.  كما جاء في بيان الوزارة، بحسب موقع "الحرة" أنّ “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين أكبر فروع تنظيم القاعدة وأكثرها فتكاً في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل أعلنت مسؤوليتها عن العديد من عمليات الاختطاف والهجمات منذ الإعلان عن إنشائها في 2017.

مستقبل مظلم

ويرجح مركز تريندز أن يستمرَّ تصاعد تهديدات الجماعة، خلال الفترة القادمة، على نحو يزيد من تعقيد المشهد الأمني في الساحل الأفريقي الذى يبدو أنه لن يستقر على المدى القريب في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة.

ويؤكد هذا الترجيح وجود مجموعة من العوامل المتضافرة أسهمت في تمدد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتصاعد تهديداتها الأمنية، يتعلّق بعضها بالأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، بينما يتعلق بعضها الآخر بالتحالفات القبلية والعرقية للجماعة، فضلاً عن تماسكها التنظيمي القوي، وتوافر مصادر التمويل الجيدة.

ويضاف إلى هذه العوامل قدرة جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على التوسع في الاستقطاب والتجنيد، وهو ما وفر لها إمكانيات مادية وبشرية تستطيع من خلالها الاستمرار في أنشطتها الإرهابية والتوسع فيها، وليس هذا فحسب بل إنها تصعّب من جهود مكافحة الإرهاب للقضاء عليها أو على الأقل تحجيم وتقويض تهديداتها الإرهابية، خصوصاً في ظل رغبة الجماعة في تصدُّر مشهد الإرهاب في المنطقة.

*لينك المقال في حفريات*