إعداد: عمرو عبدالعاطي
على الرغم من أن قضايا الداخل الأمريكي كانت الأكثر تأثيرًا على تصويت الناخبين الأمريكيين، لإجرائها في وقت تشهد فيه الولايات المتحدة حالة غير مسبوقة من الاستقطاب السياسي والثقافي في التاريخ الأمريكي منذ فترة الحرب الأهلية، وإجرائها في ظل أزمة صحية وطنية قاتلة منذ الأنفلونزا الإسبانية في عام ١٩١٨، وما نتج عنها من أزمة اقتصادية على غرار أزمة "الكساد العظيم" في ثلاثينيات القرن المنصرم، وفي سياق من التوتر العرقي والعنصري لم تشهده الأمة الأمريكية منذ حركة الحقوق المدنية في ستينيات القرن المنصرم؛ إلا أن نتائجها ستكون لها تأثيرات كبيرة على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، ومكانتها في النظام الدولي خلال السنوات الأربع المقبلة، ولا سيما مع فوز المرشح الديمقراطي "جو بايدن" بالانتخابات.
فقد كانت الانتخابات الرئاسية بمثابة منافسة بين رؤيتين مختلفتين للتحركات الأمريكية الخارجية؛ إذ يعتقد "بايدن" أن الولايات المتحدة جعلت العالم مكانًا أفضل خلال العقود السبعة التالية للحرب العالمية الثانية، ولدورها القيادي في النظام الدولي، وهو أمر يفيد الأمريكيين. بينما يعتقد "ترامب" أن الدور الأمريكي العالمي، والتعهد الأمريكي بحماية الحلفاء؛ جاء على حساب الداخل الأمريكي، بينما استفاد الخصوم والحلفاء من الالتزامات الأمريكية الدولية بشكل أكبر خلال العقود المنصرمة.
ولهذا، يتوقع أن تشهد السياسة الخارجية لإدارة الرئيس "جو بايدن" تغييرات في مقاربات السياسة الخارجية الأمريكية بالعودة مرة أخرى إلى المحدِّدات والرؤى التقليدية بعد أربع سنوات من تبني إدارة "دونالد ترامب" سياسة خارجية تتعارض مع القيم والمبادئ التي حكمت التحركات الأمريكية الخارجية لقرابة سبعة عقود، ناهيك عن إخفاقاتها المتعددة في التعامل مع كثير من الأزمات الدولية المتعددة. وقد أشار "جو بايدن" أكثر من مرة خلال حملته الانتخابية إلى أنه سيتبنّى بعض التغييرات الرئيسية لسياسات "ترامب" الخارجية استنادًا إلى خبرته في قضايا السياسة الخارجية الأمريكية.
ولكنّ قضايا السياسة الخارجية لن تكون في المرتبة الأولى للرئيس "جو بايدن"، خلال المائة يوم الأولى له، حيث سيكون أكثر اهتمامًا بقضايا الداخل الأمريكي، ولا سيما مع تعدد القضايا الداخلية التي تصدرت أجندة الناخبين الأمريكيين في 3 نوفمبر 2020، والأزمة الاقتصادية التي تواجهها الولايات المتحدة الأمريكية جراء انتشار فيروس (كوفيد-19)، وارتفاع نسبة البطالة، وقضايا العدالة العرقية، والانقسام الحزبي والسياسي الذي تشهده الأمة الأمريكية بصورة غير مسبوقة، وقناعة الرئيس "بايدن" بضرورة إعادة بناء الداخل الأمريكي لكونه أساس فاعلية التحرك الأمريكي خارجيًّا.
يُناقش هذا الملف الذي يضمّ تحليلات وتقديرات وعروضًا لتقارير صادرة عن مراكز الفكر والرأي الأمريكية ومجلات أمريكية، نُشرت على الموقع الإلكتروني لمركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، أبرز القضايا التي ستتقدم أجندة الإدارة الديمقراطية الجديدة على الصعيدين الداخلي والخارجي، وكيف ستتعامل إدارة الرئيس "جو بايدن" مع إرث الرئيس "دونالد ترامب"، ولا سيما مع الملفات والقضايا التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، وخاصة البرنامج النووي الإيراني، وحدود التغيير عن إدارة "ترامب".